Image module

لا عزاء

بكامل قواي العقلية

إلى كل تاء مربوطة

أهديكِ كلمات لم تنطقينها.. وأسرار لم تبوحين بها.. وأوجاع لم تشاركينها

إليكِ..

أكتب وسأظل

انتبه!!

فأنت على وشك الاصطدام بجبلٍ مهيب، كلما حاولت الفكاك تنشق صخرة عن الجبل وتسقط لتسحق رأسك. لا سبيل إلى العودة، فأنتَ قيد التجربة الآن. استسلم واستكمل القراءة وتلقى الصخور المتساقطة بصبر علّك في النهاية تخرج سليم الروح…

حام المقدم حول جسدها المسترخي على الأرجوحة المظللة بنسيج بلاستيكي أزرق وأصفر يحاكي زرقة البحر وصفرة الرمال الناعمة الساكنة عليه، يصحبه المصور الجنائي المنهمك بالتقاط مئات الصور للجثة على وضعها الذي وُجدت عليه. وبحركة ميكانيكية من إبهامه يبحث المحقق عن تطبيق التسجيل الصوتي على هاتفه المحمول، من ثم يبدأ في التحدث وتسجيل الواقعة بنبرة روتينية:

“إنه في تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة من صباح السبت أول أكتوبر 2021، حضرنا نحن المقدم إسلام الحسيني بقسم شرطة العلمين إلى فيلا 15 أ الكائنة بمجمع هاسيندا إثر تلقينا بلاغ عن وجود جثة لسيدة في حديقة الفيلا. وبحضورنا وفريق البحث الجنائي وبمعاينة مسرح الجريمة تبين التالي:

“الجثة لسيدة خمرية في منتصف العقد الثالث من العمر ترتدي فستان أزرق سليم لا يشوبه تمزق، يتكتل الزبد حول فمها، أمامها منضدة عليها كوب من الشاي، تتجمع الزرقة في الجزء السفلي من قدمها المتدلي عن الأرجوحة أي أنها أسلمت الروح على هذه الوضعية ولم يتم تحريكها”.

يشير المقدم بسبابته إلى أحد أفراد فريق البحث حيث موقع المنضدة “لا تنسى الكوب، فالبصمات واضحة”، ثم يلتفت فيؤكد على المصور “هل التقطت صور من مختلف الزوايا؟”، فيجبه المصور بإشارة الموافقة من إبهامه وبهزة تأكيد من رأسه.

ثم يلتفت للنقيب “ارفع الجثة وحرز المضبوطات”، وبإشارة من يد النقيب تقدم ثلاثة أفراد يحملون حقيبة بلاستيكية زرقاء كبيرة وبمهارة وخفة حملوا الجثة وأحكموا إغلاق الحقيبة البلاستيكية بزمام منزلق وتوجهوا نحو سيارة الدفع الرباعي التي اخترقت الرمال وقبعت في انتظار فريق البحث خارج باب الفيلا المطلة على البحر المتوسط في المدينة الساحلية الفارهة. تقدم اثنان من فريق البحث الجنائي ليستكملا التقاط العينات من محيط الجثة والمقدم يتابعهما عن بعد ليتأكد أنهما لم يتخطيا أي دليل. اقتحم عسكري المشهد مهرولاً وناداه “إسلام باشا”، فالتفت إليه المقدم بحركة بطيئة دون أن يرد النداء.

Image module
Image module

العسكري متهدجة أنفاسه:

عثرنا على جثة ثانية قرب الشاطئ.

فيطرق المقدم ويتمتم:

و هذا يعني أننا لم ننتهِ بعد؟!

ثم يرفع صوته ويتوجه إلى فريق البحث:

مشطوا الشاطئ بالكامل وشاطئ القريتين السابقة واللاحقة، وأرسل أحدهم ليأتي لنا بالطعام والماء، لن نتحرك قبل استجواب الجميع.

غادر كلٌ لتنفيذ مهمته بينما همهم المقدم لنفسه “خمس (سيدات مجتمع) وجثتان! وما خفي كان أعظم”.

“الصمت سيد الموقف وحكيم لا يبليه الزمان”.

دارين.. حرم “كامل الشريف” رجل الأعمال ذو النفوذ والسلطة وعلاقات تضمن بقاؤه في دائرة المصالح وعلى رأس علية القوم إلى أبد الآبدين. بدأ عصاميًا فأسس شركة مقاولات متواضعة مصدر أموالها غير معلوم، لكنه بدهاء ثعلب وخبث أفعى الجرس ضاعف ثروته المكتسبة من الوساطة في تيسير وتسيير صفقات تخصيص الأراضي لكبار المستثمرين العرب والأجانب. تزوج الشريف من دارين هانم التي تمتد أصولها إلى أحد الأغاوات المؤممة أصوله الباقية جذوره والممتدة فروعه.

سليلة الحسب والنسب بنت الأصول التي ترعى البيت وتصونه، والأهم أنها تغض البصر عن تجاوزات الشريف خلف باب المطبخ، فالشريف لا يغويه جمالها التركي بل يسيل لعابه عند طرف ثوب العاملات من أي جنسية، لكنها فضلت بعد عمرٍ وخبراتٍ استخدام المصريات فهن الأكثر تفهما لطبيعة الرجل “سيد بيته”.

كلما فرغ السيد كامل الشريف من خادمة ولاحت بوادر الملل في الأفق، اخترع حُجة تحملُ دارين على تقبل فكرة استبدال إحداهن بأخرى؛ فمرة يخفي قطعة من مقتنياتها الذهبية ومرة يضع حشرة في الطعام ولا تنتهي حججه ولا مكائده. وفي كل مرةٍ ترضخ دارين وهي أعلم بتلك الحجج والمكائد لكن لابد من الانحناء للريح وإلا اقتلعتها. فكيف ستقف بنت الأكابر لتواجه زوجها وتصارحه بحقيقته؟ كيف لها أن تتنازل عن كرامتها إن هو خيرها بين قصرها (مملكتها) والانفصال؟ كيف ستنظر في عينيه إن هي رضخت لضغوطه أو تهديداته بعد المواجهة؟

الصمت سيد الموقف وحكيم لا يبليه الزمان.

 

كالنعامة دامت عشرتهما عشرة أعوام مع ابنتين لا يرى فيهما الشريف امتدادًا لاسمه ولا أملًا في ذريته، يستبدل جارية بأخرى ويمارس متعته المحرمة دون أن يبدي ذرة ندم أو يفكر ولو لمرة واحدة في الاعتراف لشريكة حياته، أو استبدال الخادمات بذكور يؤدون نفس المهام. قد يتناسى باب المطبخ إن انشغل بمهام عمله أو سافر للخارج فتطول فترة إقامة خادمة أو تقصر وفق انشغالاته، ورضاه عليها، ورضوخها لانتهاكاته.

ومع دقات الرابعة وقبل موعده بساعتين أدار الدكتور نادر مفتاح البيت ودلف متلهفًا إلى الطابق السفلي بلمعة تسكن حدقتيه، يغلق الباب بهدوء ويتسلل على أطراف أصابعه حتى يصل إلى منتصف البهو تحت الثريا المتلألئة بكريستالات تعكس الضوء وتضفي إحساس بأنك مدعو إلى حفل الأمير والسندريلا. يضع حقيبته على أريكة رمادية من الشمواه تحتل الركن الأيسر. يحاول ضبط إيقاع أنفاسه ثم يسير بضع خطوات حتى يصل إلى باب المكتبة الخشبي المطعم بالزجاج المصنفر الذي لا يفصح عما خلفه لكنه يكفي لترى خيالات وظلال من يتحرك بالغرفة

Image module
احصل على الرواية
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *